فاطمة الشيدي
2-10-2025
الأحبة الكبار أحرار العالم، أشقاء الحرية والإنسانية أعضاء أسطول الصمود العالمي الصامدون الآن في قبضة الكيان الطارئ، وقبلها في أحضان الموج بأقل درجات السلامة والأمان؛ لتبلغوا هدفكم العظيم وتفكّوا الحصار عن غزة وتربّتوا على قلوب أطفالها بدمية أو قطعة حلوى، وتحاصروا أزمنة الجوع والمرض بخبزة وزجاجة دواء:
عمتم محبة وسلاما
نحبكم بخجل، ندعمكم بتوارٍ وحياء، أيها الأبطال في زمن العار هذا، الكبار في زمن الصَغار والتقزم؛ ها أنتم تواجهون حربة العالم القذر والكيان الغاصب بصدوركم العارية، تتصدون للوحشية البشعة بإنسايتكم المكتملة والخالية من كل زيف وخوف ونفاق، ومن كل مصلحة ونفعية أمام نقص العالم وتعلّقه وتعالقاته بخيوط الحياة وترفها ونعيم النعّام الذي يدفن رأسه في التراب.
أيها الأحبة الكبار: كنا نتابعكم كما نتابع حفيف الشجر، وغناء العصافير وهدير الموج، كشيء عظيم وبعيد لا نستطيع القبض عليه، ولا قدرة أو إمكانية لنا لفعله، لكننا نحبه ونتحرق شوقا للالتحام به.
نتابعكم لنغتسل في ضوء شجاعتكم من أدران الخوف، وتجليات البشرية التافهة التي توثقنا بحبالها، نحن أصدقاء الورق والشاشات الذين لم نختبر يوما بقوة وصدق حقيقتنا، ولم نخلع يوما حذرنا المصنوع بتؤدة وطول زمن، وربما بتربية اجتماعية وسياسية صارمة أقصت الحرية ورسّخت الركون.
لم نتعلم في المدارس والجامعات كيف نواجه الشر بصرخة تصم أذنيه، ولم نربِ الجرأة فينا كما يجب، بل ربما لم ننظر في مرايانا الداخلية لنضع أعيننا في أعيننا بتحدٍ وصرامة حقيقية نُشهِد فيها الله علينا ونشهد أنفسنا على أنفسنا وفعلنا على قولنا، مرددين بيننا وبيننا في تأويل مرتعب "ولاتلقوا بأنفسكم إلى التهلكة إن الله كان بكم رحيما"
وها أنتم الآن تضعوننا في مأزق الحرية تماما، تضعوننا في مواجهة أنفسنا، وفي مواجهة الجبن الذي لم نظنه يوما يتمكّن منا كما عرفنا الآن في ضوء فعلكم العظيم، وفي مواجهة التشبث الذي لم نعتقد أنه يكبلنا كما فهمنا الآن.
أيها الأعزاء الكبار لقد لقنتم الصامتين (ونحن منهم) درسا بليغا في الإنسانية والتحدي الجبّار لقوة الشر مهما بدت أكبر من أن تقاوم، كما أخفتم العالم الذي تحكمه قوانين الغابة، وأرهبتم العروش المتوحشة التي تظن نفسها تقيّد روح الإنسان بالسلاح والمال كما فعلت غزة قبلكم وكنتم إليها تزحفون بلا وجل وعلى خطا صبرها تعبرون بلا تردد.
لقد حرّكتم أفئدة البشرية في كل أصقاع المعمورة ووحدتم كلمتها وهو ما لم تستطعه الرأس المالية ولا عصر التفاهة السمج، لقد صدحت أصواتكم ناصعة كنبي من هذا العصر نطق بالحق وأنطق الحجر والمدر، وانطلقت الرسالة لتقول للعالم أن على الخير أن يواجه الشر مهما بدا قويا، وأن صوت الصدق يجب أن يكون أعلى من صوت الكذب، وفعل العدل يجب أن يكون أكثر رسوخا من الظلم وأن الذي خلق الإنسان يعلم هذا حين جعله خليفته على هذه الأرض"إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ"
أيها الأحبة الكبار : ندعو لكم بصدق أرواحنا ولهفة قلوبنا عليكم أن تخرجوا من ظلم القهر وظلمات التوحش إلى الأمن والسلام، وأن تعودوا إلى عائلاتكم ودفء بيوتكم متنعمين بشرف المحاولة وقوة درسكم الكبير الذي هزّ أركان الأرض وأرهب جبابرة العصر ومسح على رأس أطفال غزة وقلوب نسائها.
لقد أحييتم الأمل في قلب غزة المكلوم، وطمأنتم العالم أن الإنسان بخير والكون بخير وأن الحرية هي روح الإنسان على هذه البسيطة، وأن التضحية هي مجد الإنسان وصدى روحه الكبرى، وأن الشر مهما تصاعد فهناك من سيتصدى له بطريقة أو بأخرى، وغزة تقدّر هذا الجهد وهذه التضحيات، وتنتظر من إنسان العالم، وأحراره كل وقفة مهما بدت صغيرة، كل حسب قدرته واستطاعته، ولقد فعلتم الكثير فلكم منها ومنا السلام، ولها دائما وأبدا منا ومنكم صلوات الحرية والأمان .

تعليقات