الترند العربي بين التشهير والتطبيلفاطمة الشيدي10_7_2025
أثناء تصفح عشوائي في (الانستغرام) عثرت صدفة على صورة تحمل هذه العبارة ((كان يسمى المشي وراء القطيع أصبح اسمه ترند)) الفكرة التي وافقت هوى في نفسي، فمنذ فترة طويلة وأنا أفكر فيها عبر كل مايرسل لي أو أجده أمامي من اقتراحات لمطاعم وكافيهات وبلدان للسفر وغيرها من أمور وشئون مادية _ أفكر بوجع أن العالم أصبح موجها من تيارات خارجية لا أحد يعرف مصدرها، وأنه قد تم إقصاء خصوصيتنا تماما، فثمة من يحدد لنا طبيعة حيواتنا واهتماماتنا وطريقة معيشتنا وحاجاتنا واحتياجاتنا، ونحن نمشي خلفها بانقياد جمعي تام دون تفكير أو وعي بخطورة الأمر.
وإذا كان هذا الأمر خطيرا فإن الأخطر هو أن (الترند) لم يقف عند الماديات بل أصبح يشمل بعض الأفكار والقضايا (التي ليس بالضرورة أن تكون عميقة وجادة) فكرة أوقضية تظهر على سطح الثقافة أو الإعلام في أي بقعة من العالم وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بالضرورة، كأن يرتكب شخص ما خطأ، أو يلمع اسم شخص لسبب ما، ليتحول في لحظات لترند (سلبا أو إيجابا) فيشعل مواقع التواصل وتقام على ذلك الشخص أو تلك القضية حفلات التشهير والتطبيل فيتحول بقدرة قادر من حالة فردية لترند يحرك اللاوعي الجمعي.
بالطبع كنا نعيش حالات التطبيل والتشهير منذ زمن طويل بشكل أو بآخر وأظننا اعتدنا على تلك الحفلات السمجة بين من يطبل لأشخاص أو حالات أو حكومات بدوافع شتى منها المال أو الصداقة، ومن يشهر بآخرين لقيامهم بفعل غير أخلاقي أو لعداوة أو افتراء أو تشفى.
لكنها حالات مهما بلغت شهرتها وضجيجها تظل محددة بفئة أو زمان أو مكان.
بينما اليوم في زمن (الترند) تصبح كل قضية أو فكرة أو خطأ أو ظهور أمرا واجب الولوغ فيه، والتصدي له من الجميع حتى ممن لا يهمهم الأمر من بعيد أو قريب.
وأصبح الموضوع يتجاوز فكرة المشهّر به أو المطبّل له، ليتعلق بموضوع (الترند) حيث يصبح من المعيب أن لا يشارك الجميع _ممن يصولون ويجولون على مواقع التواصل_ في ذلك الترند /القضية تشهيرا أو تطبيلا .
فالكل يرى نفسه (مؤثرا!!) في الفكر الجمعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ ولذا يجب عليه أن يدلي بدلوه في كل قضية كي يبرهن على فكره وشخصيته العامة، ومكانته الثقافية في الوعي العام، فكيف له أن لا يذهب مع الذاهبين ولا يكتب مع الكاتبين ولا يندد مع المنددين أو يلمع مع الملمعين وهو من هو!!.
والويل كل الويل لمن يصبح موضوع الترند حيث ستلوكه الألسن جمعاء (التي لها شأن بالأمر والتي ليس لها شأن) لزمن طويل لأنه أصبح علكة واجبة المضغ، وستنثر على جثته _الممثل بها_ أبشع التهم والبشاعات، وسيدّعي الجميع حزنه على الأخلاق التي هدمها صاحبنا المشهّر به.
أما من لايشارك في الترند أو في حفلة التشهير أو التطبيل الجمعية، فسيتهم بأنه يعيش في برجه العاجي خارح السياق الجمعي،
ولا يعنى بقضايا الساعة ولايدبج المقالات للذود على أخلاق الأمة ورجم المنتهك لحرماتها أو رفع المنتصر للمكان اللائق به.
الفكرة هنا ليست في تبرير الخطأ ولاحسد اللامع والبارز ،بل ذم الحالة الجمعية (الترند) التي أصبحت قطيعية بشكل مقزز.
لقد أصبحنا جميعا نتحرك ضمن موجة كبيرة يدفعها الهوى (الترند) تجاه أمر ما، ولايوجد من يفكر في مدى الزيف المنتشر، والجنون المضمر في هذا الأمر .
وليست الجوائز وقضية مها الصغير إلا نموذجا!!

تعليقات