التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا
فاطمة الشيدي
12_ 6_2025


تصل إليك مع الوقت، في رحلة العودة أو رحلة الركون؛ وهناك تُبين لك الأشياء عن جوهرها، عن عصبها الداخلي، ووهجها الضمني، عن خلاصة التجربة، عن الحياة والكتابة بتمارينها المستمرة من التأمل والإصغاء.

تصل لعمق الأشياء -مهما كانت صغيرة- عبر قراءة الصمت، وتتبع أراجيح الليل والنهار وما بينهما، وتأمل الوجود بكائناته الطيبة، والالتذاذ بحلاوتها.

فتدرك أن الفرح ليس ضحكة عابثة أو قهقهة لحالة طارئة؛ إنما هي ابتسامة عميقة من ارتعاشة الروح لجمال أخاذ، جمال ليس طارئا ولا مصنوعا ولا زائفا أو جاهزا معلبا إنه حقيقة الوجود عبر السبر المتيقن لأعمق نقطة فيه.

انبثاقة عذبة من الهدوء والتأني في الحياة بلا لهاثات ولا رغبات زائفة.

تصل للانعتاق الكلي من ربقة الزيف والكذب لتتصاعد في حرية الفكرة واللغة والنزف، حرية الرجوع للخلف والذهاب للأمام بذات القدر ، التشبث والتخلي.

فتختارك بكل ما هو عالق بك ومتعالق معك. 

تختار الالتحام مع الأشياء الصغيرة في عشق عظيم عبر الزمان والمكان.

تختارك وتتخذ الكون وكائناته كتابا يُقرأ ونبراسا تهتدي به إليك.

الكتب نتاجات الفكرة والوعي، والقصص المتناثرة دروس خفية نتعلم منها، وأنت تلميذ أبدي في مدرسة الكون، ومعلم قديم في فلسفة التأمل، إله صغير يخلق كونه منتميا للرب الكبير  ويحيا ساجدا بامتنان لكل تجلياته.

شاعر متعالق مع لب الأشياء، يشعر بها كتبها أو لم يفعل، فيلسوف حكيم وصوفي مريد وزاهد متجول.

تصل إليك وتقرر أن تقف، وأن توقف المد الهادر خارجك، تختارك وتختار النظر للأشياء القريبة، تختارك وتختار أن تلجم الصخب وتنصت للهمس، للشجرة العظيمة في داخلك، تلك التي خُلقت منها وعليك الآن أن تعود إليها مزارعا أو كاتبا حرا كما قال عابر ذات يوم وألهمك درسا عظيما، تختار أن تذهب بيدك للأرض كي تريح عقلك، أن تأنس بالماء وتروض الذاكرة على الحكي، وأن تستأنف حكاياتك وتشحذ لغتك التي أرهقها الكلام، تهدهدها على الورق، وتحفر بأظافرك الحادة شجرتك العظيمة داخلك لتسيل صمغا لزجا ودما وكلمات.  

تعود إليك؛ أنت العالق في فلسفة الأشياء الصغيرة، المتوحد، المتعدد، الكثير القليل، الكبير الصغير، القريب البعيد، المسافر المقيم، المخلص المخلّص، الممتن الرافض، المتحد المنفصل.

تختارك بوعي تام ولذة فائضة وتخل جامح، اتتحد مع كل تناقضات الكون، لتتجلى في فلسفة الوعي، والجمال الكوني وخلاصة الحكمة النقية.

تعليقات