التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا
فاطمة الشيدي



فاطمة الشيدي
28 -4 -2018
رؤى ثقافية

الولادة الثانية هي تلك اللحظة التي تشعر فيها صرخة الميلاد مجددا، تستشعر فيها روح البدايات الأولى عبر التجدد الزمني الكلي والحقيقي لجسدك وروحك وكيانك الإنساني كاملا . تستدرك حضورك البدئي لينا طريا مجددا استدراك العارف والمتتبع لروح الحقيقة والجمال والحب، والغاية العظمى لعبورك المؤقت والطارئ على هذا الكوكب الصغير الذي لا يمثل سوى نقطة في كون لا متناهٍ.
هناك يباغتك السؤال الوجودي العظيم، من أنا؟ لماذا جئت لهذا الوجود؟ ستتقافز الأسئلة تباعا في رأسك وستستحضر رسالتك الإنسانية التي مهما تباينت من شخص لآخر تظل عظيمة وتستحق عناء العيش ومكابدة الأمل ومحاولة التغيير.
فمن قال أننا نولد مرة واحدة؟ وبذلك اللاوعي الذي يتفاجأ بكل شيء لم يختره، ولم يقصده، ولم ينتبه له كثيرا ذلك الوعي الذي لم يُختبر ولم يتشكل ولم يذهب أبعد من ماء الرحم وصمت البدايات واستقبال المسلمات والبدهيات دون أدني قدرة على مساءلتها أو مماحكتها بأدوات لم تتشكل بعد، لأن الروح لم تغترف من فيوضات الحقيقة ومن وخز الأسئلة ومن رعونة الرفض.
إن الولادة الحقيقية هي بدايات لاحقة، ولادات متتالية عبر الزمن، إذ نولد بمن نحب، وبما نعرف، وبالقناعات التي تصبح أرصدة متينة عبر الوعي بالحقيقة البعيدة والمتعددة والمتشكلة، عبر الشك والبحث ومحاولة الفهم والمعرفة والإحاطة بالرب وبالذات وبالكون وبالآخر.
الولادة الثانية هي شرارة تحرق خلفها الكثير مما نعتقد ونؤمن، ونعرف، وتترك وراءها الكثير من الرماد الذي أصبح نتيجة للكثير من السقوطات البالية والقناعات المتداعية، وتشعل أمامها الكثير من الضوء للقادم للبحث خلف كل أكمة وسد وحجب، وتأتي بالكثير من التغيير الحقيقي في العميق الراسخ فتهزه وتحركه، وتتركه مرتبكا غير قار ولا ثابت، وفي الخارج المتحرك والذي يتشكل كل يوم وينسرب مكنونه الخارجي للداخل فيحدث تلك الارتجاجات الراعشة والراعفة فيأخذنا من سكون الأقنعة إلى لذة الحقيقة وشغف التقصي والاحتكام لأدلة العلم.
ولم يكن فيلم إلا نموذجا على هذه الفكرة، ومحركا لها، فالسيدة التي عاشت حياة كاذبة لأكثر من ثلاثين عاما كانت تحتاج لصدمة خيانة زوجها لها لتفيق من تراتبية حياة ميتة قاحلة تعيش فيها كذبا أدوارا ليست لها، لا تشعر فيها بذاتها ولا بقيمتها الحقيقية وليست أكثر من ظل رتيب قاتم لزوجها المتحقق، ليست خارجه أي شيء، لذا ما أن تركته حتى شعرت بالضياع، بأنها لا شيء، حتى انتبهت لذاتها، لحقيقتها الخاصة، وهناك أدركت أنها لم. تكن هي كل ذلك الوقت وأنها تحتاج لبداية جديدة وولادة ثانية لتجد ذاتها، حين قررت اللحاق بالرجل الذي وجدت ذاتها الحقيقية إلى جواره .
الولادة الثانية هي الفرصة الثانية التي يحتاجها كل من لايجد ذاته في الولادة الأولى؛ ليحيا ويستشعر قيمة ذاته، وصدق حضوره الوجودي والكوني ككائن مختلف يعبر الحياة لزمن مؤقت وعليه أن يحقق هذا الحضور في روحه ووعيه وفي الكون تحقيقا يليق بكائن مختلف وخاص.
كلنا نحتاج ولادة ثانية وربما ثالثة ورابعة ومائة، إن اقتضى الأمر. المهم أن نجد أنفسنا بحقيقتها، ونحقق ذواتنا بكل إمكانياتها وأهدافها ورغائبها، ونستغل فرصة عبورنا الزمني لهذا الكون بصدق وحب ومسئولية وبكل ما يشعرنا بالرضا والسعادة. 




فاطمة الشيدي 
24 - 4 - 2018 
رؤى ثقافية
أصبحنا نحيا الآن فعليا في علبة معدنية، وهي الهاتف النقال أو أي أجهزة محمولة أخرى، ولذا فأن تغير هاتفا كأنك تغير بيتك تماما، تفقد الكثير من مقتنياتك وألبومات صورك وأثاث حيواتك وأصدقائك وجيرانك.
وتحتاج للكثير من الوقت، والكثير من الاستعادات الضمنية لمكانك وزمنك وناسك.
أن تغير هاتفا محمولا يعني أن تجد الكثير من خططك مبعثرة والكثير من أحلامك ناقصة، كيف لا ونحن نفكر بهواتفنا ونحلم بها، ونسيّر حيواتنا عبرها، وننظم أعمالنا وأيامنا في جداولها ومفكراتها. إنها ذاكرتنا الرقمية، ذاكرة البيت والعمل والحياة، نحتفظ فيها بكل ما يهمنا، ونبحث بها عن كل ما يخطر ببالنا. بل وقد يمثل الهاتف النقال ذاكرتنا الروحية نتكلم عبره، ونخزّن أصوات من نحب، وصور من نحب، فكل صورة تمثل موقفا مختلفا عشناه ونريد أن نستعيده يوما.
كما نخزن فيها أحلامنا البعيدة والقريبة، أمنياتنا المستحيلة، خربشاتنا الوجودية، مشاعرنا، لحظات الحب والغضب، ما يعجبنا، ومالا يعجبنا من أشياء نتقاطع معها، غيرتنا من جمال متجسد، وربما شهواتنا المؤقتة.
وهو كثيرا ما يكون مكتبة مقروءة ومسموعة ومرئية، وشوارع نمشي فيها، ومدن نسعى لزيارتها.
مطبخنا الذي يمدنا بأحلى الوجبات.
ولا مجال للملل وأنت بحوزتك هاتف نقال، كما لم يعد الانتظار مكروها، فهناك دائما ما تفعله، ما تشاهده، ما تقرأه، من تتكلم معه، من تحكي له أو تحكي عنه. لقد أصبح الانتظار متعة، وربما حالة مرغوبة جدا. ومفيدة أيضا.
بالطبع أنت قليلا ما تتحدث بصوتك بأن تتصل بأحد (مع ما يفعله الصوت في داخلنا من أثر، وما يبثه فينا من حنانات، وما يزرع فينا من صدق وحميمية وحضور حقيقي أقرب للمصافحة والعناق)، ولكنك ستكتفي بالكلام المكتوب، ستذوي روحك كذبا، ستقول أنك بخير وإن لم تكن بخير، وسترسل ايقونة (ايمجوي)  ضحك عال وضاج بالفرح، وأنت ربما تبكي في داخلك، أو تكون ضجرا أو مرهقا.
لن تتحدث كثيرا حتى بالحروف بل ستكتفي بالوجوه والإشارات، ستكتفي بالأصابع والوجوه المبثوثة في لوحة المفاتيح، وكأنك تتكلم بلغة أخرى لغة لا تشبهك، ولا تعبر عنك ولا تصف كل ما يعتمل في روحك، ولن ينتبه أحد لرعشة صوتك ولاختلاجه بين كلمة وأخرى، ولن يصل شوقك ولهفتك لمحدثك، ولن تشرق بالضحك أو بالدمع مع والدتك أو أخوتك أو صديق قريب.
لقد غربتنا التقنية وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي التي نحيا فيها، أصبحنا نتكلم بأصابعنا وندخر أصواتنا حتى نكاد نختنق بها، أصبح الصمت هو السائد والكلام هو الطارئ، والضحك مختلق، والتجمع عبر جروبات، أصبحنا أكثر غربة عن أنفسنا وأرواحنا وعن من نحب.
أصبحنا نتواصل في عزلة العالم، نقرأ للبعيدين عنا، نتابع أخبار الموت والموتى الذين أصبحوا أكثر حضورا من الأحياء، وربما نعرف أخبار من لا يمثلون لنا شيئا أكثر مما نعرف عن الذين يعيشون في بيوتنا وقلوبنا وأرواحنا. وأصبح من لا يستخدم التقنية بعيدا ولا نكاد نعرف عنه شيئا.
ابتلعتنا العلب المعدنية، وأسكنتنا حضورها المؤقت لتربكنا بخللها واختلالها لو حدث شيء، وأخذتنا مواقع التواصل لجنونها المريض، فصرنا نلهث وراء التلصص المريض على حيوات الآخرين، ماذا يفعلون كيف يعيشون، وماذا يأكلون ويشربون ويهلوسون، ولذا لم يعد ثمة عالم حقيقي نلجأ إليه.
يحاول بعضنا الانتباه بين الفينة والأخرى وسحب ذيوله المتصلة بذيول لا قبل له بها، ليأخذ ذاته خارج العلب المعدنية ويستعيد صوته وجسده اللذين أثقلهما الحديد، وأوسعهما الصمت ضيما والسكون ألما، فيحدث بعض ما يخطط له.
ليست العلبة شرا محضا، وليست سجنا بلا أبواب، ولكن الركون الكلي إليها ضررا واسعا، والعيش فيها قيدا محكما، فلنشرع الأبواب خارج العلب المعدنية، ولنغادرها كثيرا، ونذهب إليها قليلا.





فاطمة الشيدي
21 إبريل 2018
رؤى ثقافية

بين القتلة والجهلة في كل مكان علاقة طردية متينة، وبين كل من السلطة والجماهير حكاية انصياع كلية لها مبرراتها وأهدافها دائما. ولذا فالسلطة تسعى أبدا لنيل رضى الجماهير، الرضى القائم على حساب المصلحة والتأييد.
ولكنها قبل ذلك تسعى لصناعة هذه الجماهير صناعة تتفق مع مخططاتها وأهدافها، صناعة قائمة على التلميع الخارجي للسلطة، والجهل الداخلي للجماهير.
هذه الحقائق باتت معروفة اليوم في ظل التنظيرات السياسية التي أصبحت تدرس وتدرّس في الجامعات كأدبيات بمرجعيات علمية عميقة وجادة.
ولكنك كلما رأيتها على أرض الواقع أو لمستها في فكرة تبدو واضحة وضوح الشمس ومع ذلك تجد تأييد الجماهير الجاهز والمسلّم به للسلطة؛ يصيبك ذلك الحنق والغيظ الذي قد يجعلك تلعن السلطة بكل أنواعها والجماهير معا.
ثم حتى تجد أصداءها التاريخية في الثقافة الإنسانية تعلم أنها أوسع من دوائر المكان والجغرافيا، وأن التاريخ أبدا يكرر نفسه بملاهيه ومآسيه في الزمن والإنسان.
وعندما تشاهد فيلم. الذي يحكي عن قصة السناتور تيد كندي، الذي كان مترشحا للرئاسة، ولكنه في لحظة سكر أخذ معه فتاة ممن يعملن معه، ثم تدهورت سيارته وهو يقودها ثملا بسرعة وسقطت في البحر، فخرج هو ونجا بنفسه، ولم يبلغ عن الفتاة التي ماتت غرقا.
المزعج في الفيلم القائم على قصة حقيقية، هو ذلك الالتفاف الشعبي حول السناتور القاتل، طبعا بعد وقوف حزبه ووسطه السياسي معه بقوة.
السناتور التافه والقاتل صوره الشعب كفارس خانه الحظ فقط، مبررا أن هذه الأمور تحدث عادة، متجاهلا تماما حياة تلك الفتاة التي زهقت روحها ووئدت أحلامها، الفتاة التي وقفت مع أخيه وحملت عبء حملته الانتخابية، وتأثرت كثيرا بموته حتى اعتزلت العمل السياسي والانتخابي، ولكنه أي تيد أقنعها ، فبدت بذلك الشغف به وبعائلته الذي جعلها تبدي استعدادها التام للوقوف معه ومساندته، غاضة الطرف عن كل من يحاول تحويلها عن مساراها. في حين تركها هو للموت ببساطة، لأنه كان مرتبكا بسكره، وذهب إلى فراشه ليحلم بها أحلاما مزعجة في عدم تحمل لمسئولية.
هذا ما يحدث دائما؛ حيث ينظر السفلة القتلة من الأغنياء وذوي السلطان للآخر على أنه مجرد رقم يعبر هذه الحياة، بل وعليه أن يضحي من أجلهم إذا استدعت الضرورة ذلك، لا يهتم القتلة بالجهلة الرعاع كما يرونهم، لأنهم يعبرون هذه الحياة كالنمل لديهم أعمال يومية وطاقات دائمة وهموم بسيطة، بينما هم يفكرون ويحلمون ويخططون ويحملون هم الأمة، ولديهم دائما أهدافا بعيدة، ويجب أن يساعدهم الجماهير لتحقيقها بأرواحهم وأجسادهم وأوقاتهم وبجهلهم أيضا. لأنهم لو كانوا من الوعي بمكان لأربك ذلك الوعي تلك المخططات العظيمة، ولأجهز على أحلامهم، فمن سيحكمون، ومن سيفيدهم عند الضرورة، ومن سيتسلقون أكتافه ليصلوا للأعلى. ومن سيسحقون في عبورهم، وفي ارتقائهم لسلم المجد.
ولا عتب إلا على من يرتضى دور الضحية، فيهتف للقتلة والسفلة بسلطاتهم المزعومة. العتب على الجماهير التي تراوح مكانها القصي في خارطة الوجود بلا رغبة للتغيير، بل تصفق كلما طلب إليها ذلك، وتهتف حتى تبح حناجرها، وترتضي البؤس بقناعة. القناعة التي خلقتها سلطة ورسختها سلطة أخرى وتبنتها سلطة ثالثة.
الإنسان هذا الكائن البشع، لا يفتأ يمضي في صناعة القهر في كل مكان، وإن كانت بعض المجتمعات والدول بقوة العلم والوعي بدأت تواجه ذلك القهر وتتصدى له بحرية، وتحاكمه بالمساواة والعدالة، إلا أن مجتمعاتنا ما تزال راسخة فيه بقناعة وتقبل الجماهير التي تهتف أبدا لجهلها الذي ترسخه السلطات أبدا بهدوء، كما تهتف للسلطة القاتلة لروح الوعي والعلم والمعرفة وتبارك فعلها الحثيث في تجميد الإنسان والمكان أو تراجعه.





فاطمة الشيدي
6 إبريل 2018
رؤى ثقافية

كلنا نعيش الحياة، وكلنا نفكر في الموت، وبين الحياة والموت زوايا عديدة وتقاطعات كثيرة، فالموت ببساطة ماهو إلا غياب الحياة، وأحيانا كثيرة يحدث ذلك بسبب الحياة ذاتها فنحن نموت في سعينا للحياة، عبر طرقها، وبسبب أهلها أو طعامها، أو مرض تسببه لنا. ولكن ولأن الإنسان لا يملك ما يدفع به الموت سوى الحياة، يظل يلهث وراءها حتى آخر لحظة في حياته متغافلا عن الموت وأسبابه المنتشرة والمستشرية في الحياة.
هكذا أفكر أبدا ما أن يقتنص الموت مبدعا من الحياة الحافلة بالعطاء بغتة أو أثر مرض عضال، لا يبدو أن أحدا منا  يكترث بالموت قبل أن يحدث فجأة، لا أحد ينتظره، الجميع مشغولون بالحياة، والكل يبحث في الحياة عما يدفع به نقص الحياة، فيسعى للمزيد من الحياة من المال والجمال والحب والنساء والأبناء .وهكذا يقبض عليها بأسنانه وأظافره في مواجهة الموت الحتمي.
إن حب الحياة وغريزة البقاء حالة طبيعية جدا إلا أنها تتصاعد لدى البعض فيذهب فيها مطيلا أنيابه وأظافره فتتجلى صورة الإنسان الآخر بطمعه وجشعه وظلمه ورغبته في المال والسلطة والنفوذ بأي وسيلة وفي كل كل الأحوال. وليس ذلك إلا تجلى جلي لرعب الكائن من الموت وطريقة مواجهته له بأي وسيلة مهما بدت متوحشة أو قذرة فالغاية تبرر الوسيلة فيما يتعلق بالحياة وبالموت يدخل في ذلك صراع السياسات والأفكار والثقافات والأيدلوجيات وكل ما يمت للحياة بصلة.
هذه الفكرة دلل عليها بقوة فيلم HURRICCANE HEIST  الذي يحكي عن إعصار ضرب وأطاح بوالد طفلين عاندا الحياة فيما بعد وأصبحا ناجحين أحدهما متخصصا في الأرصاد الجوية والآخر تقنيا فنيا. يضعهما القدر مع شرطية نبيلة تعمل في هيئة فدرالية لتدمير الأموال الزائدة بفرمها.  هبت الأخيرة لمواجهة عصابة مكونة من بعض الزملاء الشرطة والعمدة وغيرهم يريدون سرقة المال مستغلين الإعصار الذي ضرب البلدة .
حاربت هذه العصابة بقوة الشر للحصول على المال، وحاربت الفتاة والأخوان بقوة الخير لمنعهم وتحقيق الواجب.
بالطبع في السينما انتصر الخير، بينما في الحياة كثيرا ما ينتصر الشر .
فهل هذه هي روح الحياة المبثوثة فيهم، أم أنه طاقة التمرد الإنساني والتشبث بالحياة.  هذا لا يهم المهم أن الموت ليس ضد الحياة بل طريق من طرقها الجانبية، وقد تكون الحياة طريقا من طرق الموت الخلفية أيضا.
م هذا ما وجدته في الفيلم الغرائبي QUIET PLACE الذي يحكي قصة عائلة تجد نفسها في مواجهة وحش أعمى يهجم كلما سمع صوتا فيأكل البشر، تواجه العائلة التي تفقد صغيرا بسبب الامتثال لشروط الروح الطفلية العذبة، فشغّل لعبة فهجم عليه. ثم تفقد الأب في محاولته لإنقاذ صغاره.
الوحش المشفوع بحب الحياة، والأسرة (الإنسان كذلك) يساومون الموت ويواجهونه الوحس بالقوة، والأسرة بإعمال العقل للوصول لنتيجة وهي إدراك نقطة ضعف الوحش والقضاء عليه.
تؤكد الحياة كما يؤكد الفن أن بين الحياة والموت صراع علني تماما، فكلنا نأتي لنصارع الموت عبر الحياة. كل بطريقته وأدواته ووسائلة، وكل حسب غايته وتفكيره وأحلامه.
ولأن الإنسان لا يعرف إلا الحياة بنقصها وكمالها، وبشرها وخيرها، بمن فيها من أخيار وأشرار من أطفال وكبار.  ولا يعرف ما وراءها مهما صدّرت الأدبيات الدينية ذلك،  فهو يتجه إليها، ويمضي بها ومعها، يمضي حافرا بأظافره ليحقق له متكئا فيها بعيدا عن العدم (مهما تعددت مسمياته) أو قبل العدم الذي لم يختبره ولم يقبض عليه بحواسه.
بالطبع قد يستسلم يوما لوهن أو كبر  أو مرض أو حزن فينهي الحياة لأنه لم يعد قادرا عليها أو على الركض فيها.
لا شأن لذلك بالسكينة أو الاطمئنان ، بل هو عدم يوازي العدم، وفراغ يوازي الفراغ، ولكنه لا يحدث حتى تتسع تلك الهوة داخله، حتى يشرئب فيه ما يوازي الحياة تماما.  أما دون ذلك، فهو يركض خلف الحياة، ويواجه مسببات نقصها وعدمها وفراغها بإرادة صلبة ومحاولات مستمرة وعنيدة.
لذا ليس علينا أن نتكلم عن الموت وكأنه ضد الحياة، لأن الموت هو توقف الحياة أو غيابها، تماما كالشر الذي هو غياب الخير والظلام الذي هو غياب الضوء.