التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا

إلى الحب في عيد الحب وأعياد الكراهية


  لوحة (القُبلة) لغوستاف كليمت
فاطمة الشيدي
14- 2-2018

"عم صباحا/مساء أيها الحب، أيتها الأسطورة البشرية التي خلقها هذا الكائن القلِق ليحيا ليوم آخر، تماما كما خلق الكثير من الآلهة والأحلام والكذبات الأنيقة والفنون ليروّض العدم، وليبعثر شعوره باللاجدوى، وليجعل لزمنه بين صرختين وضعفين قيمة مستحقة وأملا في بهجة ما.
ياصديقنا البعيد، أين يمكننا أن نجدك نحن اللاهثون خلفك أبدا، الساعون إليك سعى العارف والطامع والمحتاج، أنجدك في الحنان الوجودي المتمثل في دمعة أم تغسل ما ران على الروح من وهن ووجع ولمسة أب تقوّم ما أعوج من أيامنا.
أم في ضحكة طفل تمسك بتلابيب الروح وتغرقها في لجة من عذوبة ونقاء فتخرج عطرة، نضرة لزمن آخر.
أم في قلب باتساع الكون يحمل عنا سخام الأيام وقلق الوجود ويهبنا يده متكئا للبعيد ونورا للقادم من الأيام.
أم في روح صديق/أخ طيب يسند العثرات ويسمع الشكوى ويقلّم أشواك الوجود كلما استطالت بيدين حانيتين.!
وهل لك شكل واحد يتمثل في قبلة أو عناق جسدي ولذة مسرفة في التوله والولع، أم أن لذائذك لاحصر لها  فهي سر السعادة الأبدية كما يتوهم الشعراء والكتاب، وكما يحدس المفكرين على مر الحقب والأزمنة. فكل تجلى في الوجود هو صورة من صورك، وكل فرح هو التفاتة منك، وكل أمل هو لمسة من يديك، وكل قوة هب نظرة من عينيك. لأنك روح الرب المبثوثة في الكائنات عناية ورحمة وجمالا وشفقة.
وهل لك وجه واحد أم وجوه متعددة، كالجمال تماما، فنجدك أحيانا فيما لا نتوقع، فتتجلى في الكراهية والصمت والكلام والوردة والقصيدة واللوحة. وفي حنانات الطبيعة بدروسها الكبيرة إذا تحنو لبوة على غزالة وكلب على فرخ صغير، وفي تلك النظرة الهابطة من الكثير للقليل ومن الكبير للصغير، وفي تعلق ميلونير أنيق بخادمته الرثة، أو شاعر مجنون بامرأة في عمر يضاعف عمره.
وهل نحتاجك فعلا، أم أننا قادرون على الحياة بدونك، ونمضي خفافا بلا حملك الثقيل ومسؤلياتك الوافرة فأنت الذل الذي يفوق المال والولد، الذل الذي يجعل العاشق يحبو على أربع لمحبوب، ويسجد بن يديه أكثر من إله.
وأنت الثمرة المحرمة التي أخرجت آدم من الجنة، وجعلت لذريته الشتات والضعف الذي لا تقوى على مقاومته، والهلاك الذي كان درب الكثيرين منهم. فكم من عاشق وشاعر ومجنون  هام على وجهه بسببك، وكم من عبث ارتكب باسمك وكم من خيانات وأوهام وكذبات وضع عليها أشرطة حمراء لتصبح هداياك.
وكم قتلت  ورملت وجئت بأيتام من لحظات شغفك.  وكم وكم ..!
ياحلمنا الأبدي ويانقصنا  الأزلي الذي نعيشه ونعيش به، ونمضي إليه، بلا اكتراث منك بنا، او اكتراث منا بالعواقب، فنظل نلهث خلفك في سبات، في يومك الذي يأتي في زمن متوحش، يستشري الشر بين جوانبه كالنار في الهشيم، ماذا يمكنك أن تقدم لنا، وهل كل دببتك وورودك وتهانيك يمكن أن تقنع طفل سوري ماتت امه تحت البراميل، او طفلة يمنية أصابت عينيها رصاصة قناص حقير.
وماذا تقدم لجائع لا يجد لقمته، ولأرقٍ يشتري النوم بكنوز أرض، ولمريض يتاهبه الألم، ولثكلى تتحرق وجعا، ولمفارق وعاجز وعاشق.
… ..؟
ياصديقنا الخرافي كل عام وأنت بحب. 

تعليقات

‏قال غير معرف…
لامست روحي كلام عميق