التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا

في مديح العالم الرقمي

فاطمة الشيدي

10 أغسطس 2010 
نشر في جريدة الزمن

منذ زمن وأنا على علاقة شبه عشقية مع العالم الرقمي، لأنه يوفر لي فرصة الحياة عن بعد، هذه الحياة التي لن تكلفك الكثير منك، ولا تريد منك سوى اللغة، اللغة التي هي أداة جميلة وطرية وطيّعة بين أيدينا نحن التعساء من ذوي اللغة والكلمات، فمن البريد الإلكتروني، والمجوعات البريدية حتى المواقع الإكترونية والمنتديات، فالمدونات وغيرها من العوالم الرقمية التي أحب أن أهبها ظلي، لتهبني القليل من الضوء والفرح والحياة، لتهبني الشعر والجمال والقراءة والمعرفة والخبر والنص دون حوار مباشر، أو اتصال وتواصل حقيقي، ربما لأنني لست من هواة الكلام، ولست ممن يذعنون للضجيج والجلبة والأصوات ورنين الخلاخيل والأجراس، وهذا عيب بي وليس مزيّة، فقدري أن أكون من الشخصيات ذات الطابع الحسي كما في التقسيم النفسي لنظرية الذكاءات المتعددة وهي الشخصيات التي تميل للمس والحس والقراءة والصمت والتأمل، ولأن أصحاب هذا الطابع يحتاجون للقراءة والتأمل فأظنهم -وأنا منهم- أصدقاء حميمين للنت وعوالمه الصامتة।
ولكن للأمانة علاقتي بالفيس بوك ليست طويلة، فرغم سماعي عن أهميته، والكثير من الدعوات التي ظلت تصلني عن طريق (الإيميل) لأكثر من عامين أو ثلاثة أعوام إلا أنني ظللت أتجاهل الفكرة أو أؤجلها، وكنت أشعر دائما أنني غير محتاجة له وأنني مكتفية بالمدونة وأنه مكان معبأ بالضجيج وأنا أميل للهدوء والخصوصية، إلا أن الطلب المباشر من صديقتي في الأردن " د.آلاء غرايبه" والتشجيع الأخير والكبير والملح من الشاعرة الجميلة "ميسون صقر" في مارس عندما كانت بينا وتفننها في تعداد مزاياه جعلني و(آمنة الربيع كما أظن )،نعيد النظر في الموضوع،لندخل عالم الفيس بوك.
حين دخلت للفيس بوك ووجدت قاسم حداد، وأحلام مستغانمي، وإبراهيم محمد إبراهيم، وظبية خميس وسعدية مفرح، ولينا الطيبي و... وغيرهم من أهم وأروع الكتاب، وجدت مجموعات رائعة، وكتابات أروع، وكتّاب لم أحلم يوما بأن أكون متواصلة معهم بسهولة ويسر، شعرت بأنني تأخرت كثيرا فعلا، وأنه فاتني الكثير من الجمال والوعي والخير والمعرفة، شعرت بعجزنا عن مجاراة الجديد، وتبرير عجزنا وجهلنا أحيانا.
لست من المكثرين في كل شيء، لذا أيضا فصفحتي فيه ليست ممتلئة، لجدة دخولي فيه ولانشغالاتي أحيانا، بل ولازلت أشعر أنني لست متحمسة بما يكفي حتى الآن، وأن علاقتي به لازالت غير وثيقة.
لقد كتبت عنه يوما ما في مكان آخر انه " أشبه بامراة ثرثارة تجوب الحارة من الطرة للطرة وتنقل جميع الأخبار بشكل مزعج تقريبا" لن أتراجع عما قلت الآن ، فبالطبع لا يعنيني ولا يعني غيري أن "س" أضاف "ص" وأن "ص " أصبح و"ع" أصدقاء، ولكن يعنيني وبشدة معرفة خبر جديد عن مجموعة شعرية صدرت في بقعة من العالم أحتاج لعشر ساعات أو يزيد للوصول إليها، وفي الفيس بوك سأقرأ هذا الخبر وأرى صورة الكاتب الذي قد تنتهي أعمارنا ولا نرى بعضنا يوما، وقد أقرأ نصا من ذلك الكتاب.
يعنيني أن أعرف الجديد في قضية ظبية خميس، يعنيني أن أعرف ماذا أضافت آمنة الربيع أو بشرى خلفان أو أزهار أحمد أو زهران القاسمي أو سليمان المعمري أو ريم اللواتي أو سوزان خواتمي أو انتصار بو راوي من نصوص، يعنيني أن أتابع الشاعر يوسف زروقة بنصوصه الجميلة وحزنه على صغيرته رشا، يعنيني أن أعرف آخر أخبار ملتقى الوعد الثقافي، أن أعرف جديد أصدقائي، من حياة ومرض، وربما أن أعرف مزاجهم هذا اليوم، أو أين هم الآن كما يفعل جابر الرواحي غالبا، لقد وفر لي الفيس بوك هذا الأمر بجمال وسهولة.
ببساطة أشعر أن الفيس بوك هو العائلة والعمل والحي الذي نعيش فيه، حيث تصبّح وتمسّي على جميع من يسكنون فيه وأنت ذاهب وأنت عائد، فيعرفون متى دخلت لبيتك ومتى غادرته، وهل غيرت نوعية عطرك، أو شكلك الخارجي أو لون ملابسك مثلا، ولكن الجميل، والجميل جدا أنك أنت من تختار سكان حيّك وبيتك، إنهم قبل أن يتمكنوا من رؤية لون شبابيك بيتك، ولون سيارتك، أو حتى عصافيرك التي على النافذة الخارجية يجب أن توافق أنت، أن تسمح لمن يمكن أن يصبح جارك، أو لا تسمح. .
الفيس ككل العالم الرقمي نافذة روحية مفيدة وجميلة للتنفس والحياة الثقافية، شريطة حسن استخدامه، أن يسخّر للجمال والمحبة والشعر والكتابة والفن، وليس لذوي الأوقات الفارغة والعقول الفارغة والقلوب الفارغة.

تعليقات

‏قال طارق المرهون…
مقال جميل جدا ومتألق وكالعادة متألقه في كتاباتك ،،
وفقك الله دائما وأبدا ..