التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا

خلاخيل الزرقة 2004

خلاخيل الزرقة، مجموعة شعرية دار المدى ، دمشق 2004

لشراء الكتاب



غياب

كنت أسوق الأحلام في مرابع الوجع
أيمم روحي شطر أغنية يتيمة
حين لمحت طيفك
كانت السماوات تبتسم
وكان لثناياك لون القرنفل والياسمين
كنت أعبر لجة الوقت بساقٍ من قلق
أقدّم الخطوة الزائغة
وأرخي الخطوة الراجفة
وأصنع خبز الأحلام عند الفجر
أعبئه في جفان الشهقة
وأسكب حليب الوجد عليه
*
حين لوّحتَ
كتمتُ الصرخة المتململة كسكين في حنجرتي
لملمتُ طرف ثوب الأمنية المذبوحة
ثبّتُ دوران الأرض في رأسي
استحممت في بحيرة الدموع
وارتديت جلدة الجلد
وبعد حين
ارتديتُ معطف الصمت والانطفاء
وأسرفتُ في احتساء الغياب!


ضبابية

يجلدني الصمتُ المتوزّع في حنجرتي كطعم القهوة
المسافات المسافرة في رأسي تعتصرني
أعاصير الفوضى، وشهوة الرفض
تسري في عروقي حتى الهذيان
يعتورني شعور غامض بالفقد
*
أمد للأفق وجها ضبابيا
أتبعثر كروح منزوعة الريش من زمانات المشيمة
القلق يشملني بعباءة أكثر تحنانا
من عباءة جدتي برائحتها العطرية العتيقة
*
تستعر الحرقة بين ضلوعي
تجلس على موائدي مقرفصة
مادةً مخالبها
تنهش ما يحلو لها من الوسن
*
ألف مليون وجه ملبد بالفجيعة
تهديني قلقها
تغمز لي في خبث عجيب
وجوهٌ عارية
إلا من وجهٍ أطمئن إلى صلاته
وألجئُ روحي إليه
كتميمة ضد الغربة
*
الوجوه تتراقص هائمة بين ذرى السراب
تمد لي أطرافا حمراء
وتزرعُ بذور الشك في شقائقي
و الليل الموغل في الغياب
لا وجهَ له
*
يطل وجه العاشق من بين تلك الوجوه
أستبشر به
ثم أبصر له قلبا مزروعا بشغافه امرأةٌ أخرى
تتجلى ببهاء في مخاتل صوته
في ضحكتهِ
في تولههِ
وصورة باهتة لامرأة أخرى
أظنها أنا!!





كابوس

جزر من الأحلام تطل برأسها
على سواحل الشوق في رئتي
على غابات الوجع في أضلعي
جزر بحجم طلقة
بحجم ربيع آفل
بحجم سيجارة في يد حبيب مات قبل أن يولد
*
أتمدد على بياض السواحل
أسمع همس أحاديث حلزونات الليل
المتخفية في قواقع العشق
*
طيور لها ريش أملس بألوان قوس قزح
تطل داخلي
نخلات تحرسني من الشيطان المتربص بي
أنهار من البرد الطفولي تسافر في ظلام اليأس
تشق جوربها لتريني أصبعها الذي أكلته
الغرغرينا
*
سيدات مخمليات يرقصن
بفساتينهن المزركشة
يخلعن قبعاتهن ذوات الريشة الواحدة
وقفازاتهن البيضاء
في وجهي
يخلعن نظاراتهن السميكة
وأظل أنا أحلم بالرؤيا
*
رجال يحملون الفؤوس
يحتطبون
الغابات تزحف نحوي هاربة منهم
ملأى بثمار الخوخ والجوز
تأتيني مغسولة بالندى الصباحي
يتقاطر لعابها على شفتي
أحلم بالفجر ورائحة الخبز والعشب
*
سماء زرقاء تتقدم نحوي
وبين يديها أطفال عراة يرتعشون كالليل
يتناثرون كضحكاتهم البريئة
ويدغدغون بطنها الكبير
فتضحك حتى تشرق
*
عصافير الجنة تعزف سيمفونية الخلود
تحملني في مناقيرها الخضراء
كحبة قمح
*
الأزرق يضحك ملئ سواحله
يراقص عذارى الموج المتشحات بالزبد بكل خفة
السمكات الملونات
وقناديل البحر والمرجان تطفو على السطح متمايلة نشوى
يطل القمر مغازلا
يغار البحر على حريمه
ويزمجر
*
الأكفان والتوابيت وأرواح الموتى
تبدأ في العويل والبكاء
الروح تلتف حول ذاتها
تخلع جلدها الأجرب
تتخلق غمامة من فرح
و
ت
ط
ي
ر





زار


آذنت للنص أن يترجل عن صهوته
غرس نصله في شفتيّ
سرى السم في دمي
دياجر الوهم أسرجت قلبي مطيّة
لم تترفق!
تزوجت الحرف في ليلة الصيف الأخيرة
أنجبت أطفالا كثيرين
انطلقوا يعبثون في جروحي
رففوا ألعابهم بين مساماتي
علّقوا أحلامهم الخضراء على مشاجب وجعي
حفاة مشوا على حشائش الروح
تقاطر الدم من أقدامهم
صلوا في الهيكل المقدس صلاة استغفار
خنقوا عصافير الرهبة والصمت
المعشعشة من زمن الفتنة
حطموا الأصنام المزروعة
نتفوا ريش الحمام في أبراجه الكبيرة
دحرجوا قناني الحيرة
سفكوا ماء الدهشة
حفروا أخاديد
زرعوا فيها الصبار والشوك
شقوا الأفلاج
تدفق الماء
الأولياء قاموا من أضرحتهم
صبوا اللعنات
على أنغام الدفوف
فاندفع مشهد "الزار" في الذاكرة



زيف الأسماء

"1"
امرأة من رحم الذاكرة الخربة
من وحي القرابين
والبخور ليلة العرس الأكبر للعاصفة
اقتدت
من شهوة المكان
من جرح الغيب النازف
من قراءات الكف
والتمائم المربوطة حول بطون الصغار
من جاذبية العطر
وحنين الساقية
لها شهقة السمر
ونزق الأشرعة
تدعى أنا

"2"
أشباح
مراؤون
قراصنة بعيون وحيدة
جزارون يقبّلون الضحايا ليلة العيد
بحّارة
أرباب مجد غابر وأشرعة ممزقة
سدنة أحذية وبراويز
طبول
يسمّون رجال

(3)
أشتم عبيره
مأخوذة برائحة الدم حتى الدوار
ألحسه بتلذذ
أحاول - كالقطة – تنظيفه
أداعبه كي يبرأ !
يبدأ في الاتساع والتمدد
أهرع في البكاء
إنه الجرح!




"السُمرة"• الحسناء
                                                   إلى : أمي

منذ الخلق والليل يجثو فوق صدرها الواسع
بحنان جم وصمت حنون
يحف دهاليزها بالظلمة
ويلفها بالسكون
شدو وثاق الحلم إليها
وشدوها إليه
*
مذ كانت والقطيع يسير
وهي تنظر إليه من خلف زجاج الاشمئزاز والرفض
وإذ الدهشة تبني أعشاشها في أوكار روحها اللزجة
تشتعل "غافات"• الجزع منها إليها
وتتوالد الأحلام كحرائق من رحم مفتوح
ولا أحذية كي تعبر درب الرب إلا إلينا
تحيا في زمانات الجب
وخبز الرغبة
وحساسية الشرفاء
*
تدغدغ الشجيرات التي تنمو عند حواف قدميها
فيتقاطر "الفرصاد"• من بين أصابعها
تغني للفلج الأوحد الذي يوسد نبضه للصحراء
ولجدولين نضبا في الرهان الأحمق
ونخلات ثمان تتعانق حين يئن الفجر
*
تحضر تمائم العرس
حين يحفر صوت الذئاب الطرقات
وتعرف جيدا أن ثمة قاطعي غابات سيعبرون
فتحنّط أحزانها
وترقي شجيراتها الغضة
وجدوليها، والفلج الأوحد.. وتنام
فاصلة منقوطة

سيد الريح يشتعل حنقا
سيدة الينابيع ترتجف
تسند جرتها للصمت
وترشف آخر قطرات الجزع
حائرة
هل تخلع نعليها بالوادي المقدس؟!
أم تسدل لحاف الرهبة؟!
الطفل المولود بينهما كان غضا حد النزف
مملوءًا كطعنة
بكل أشكال الوحدة واللإنتماء





غفوة

منذ زمن توسدت المسافات رأسي
استوطنت جحافل النمل صدري
خلعت الدروب أحذيتها في وجهي
وتمطت
فراود الجزع حلمي عن لهفته
غابات البنفسج والقرنفل استطالت بين أضلعي
وسديمية الحرف التي أبهجت عمري
أفضت لي بما يشبه ولادة طفل
من زواج الريح بسيدة الرمل
الأساطير بنت أعشاشها في غافة الروح
ورياح السموم اقتلعت صارية عمري العجوز
التي تعشق رائحة الموج
فاستللت نفسي كالشعرة
من كل هذا الصخب و ذاك الفتور
وعشت ما تبقى "رهينة حرف" !






السراب

أتعثر بي
بهم
ألملم أذيال الخطوة
أحدق في فجوات الرؤوس
أنهض
أنفض هفوات السقطة
أغفر رعشات الجسد
أشحذ وجه المصباح
أتخبط
أمشي .. أركض .. أهرول
لكني لا أتعثر بك
*
كل العلب فارغة
وكل الخطوات مشلولة
كل النبض أسرع / أبطئ
من نبضك
*
في الدرب الموصل إليك
اصطدمت بجدر عالية
بعلب سردين صدئة
وأضواء مربكة
دسست أصابعي في جيوب المارة
لأسرق صورتك
بعثت رسائلي عبر الأثير
لا رد
كنت سأعلن عن فقدك
لكن أعلم أنك لا تشبه إلا الماء!!




مراجيح الزيف

هل تعلم ؟
لقد استهلكنا كل الأكاذيب المشروعة
وهرطقات الكلام
ابتلعنا خنجر الزيف على حده
صلبنا أرواحنا على هيكل العشق المقدس
لكن !
كانت أفانين شماعته الواهية أضعف منا
كان المسرح يشتعل
حاولنا النجاة بنا
رسمنا قوارب من زجاج أبحرنا فيها
شفّنا الحزن إذ جرّحنا بهاؤه
الغربة مررت يدا للسلام
فماتت دهشة المراسيم
وانتهت التفاتاتنا المربكة
أفرغنا خِزاناتنا الكبيرة
من زيف اللحظة العابرة
عدنا إلى الحزن المؤطر بالتعاويذ والقلق
ضرب الصمت أوتاد خيامه في أروقة اللغة
فمن أين نبدأ الآن ...؟
فرغ النهر المقدس الذي رفضنا الاستحمام بعطره
واغتالنا الحمام الذي كان يعبر الذاكرة شهوة للغناء
فهل نبسمل ونحن نقنع النهر أنّا نعبره
للضفة الأخرى....؟



يا أنت

أي أمنية تحفر بئرا عذباً في ذاكرة
اللغة حين أتذكرك؟
أي شهقة تختلس الروح إليك
وأنا أرمي بين يديك الودع
وأقرأ لك برجك المجهول
و أمسد شعر الغيب في حضرتك البهية؟؟؟
*
أي سلام يغمرني
حين تلتفت لي من ذاكرة الأحلام؟
أي عبثية يتصيّر إليها الكون
أي رماد تزخر به اللحظات
حين تكون أنت حاضرا؟
أي أنهار تعبرني
وأي اخضرار يملؤني
وأي هاوية تبني شراكها في دمي
وأي بجع أبيض يختال في الذاكرة
بحنان الفقد والأمنيات
أذ أنطق اسمك ؟؟؟
وأي لهفة للمسير تقتاتني بوجع الآن
وأنا ألفّع روحي بدفء اليدين
في شهقة سكرى لذاكرة خربة ؟؟



أيتها اللغة

أبدا تبعثين الفوضى داخلي إذ تشتعلين
كـ حزن يرتق فجوة الروح
وأبدا أجيئك وسنى
وكانعتاق من ربقة المجهول
آوي إليك
وكانحدارات إلى الهاوية تسحبني يداك الطويلة
فأستند إليك
كجدار هش
أو حضن دافئ
*
أبدا تثيرين داخلي
لهفة المصباح للضوء لحظة الظلمة
تشظي يستلب كياني
ووجع لا يمارس الحضور إلا بين أشلاء غريق
دحرته العاصفة
بحر أدلف إليه بلذة الموت
والشبق العجيب
وأبدا أبدا وجعك الشمعي
يتراقص أمامي
كبركان منتش بما يحدثه من خراب


مطر

تطقطق قطراته الشقية
على جدران الشوق النائمة
يفتح جرحا غضا
ويدلف
مزامير الغابات تدندن في رئتيه
ويهب آخر أحذية الشتاء للجوز
ليدرأ عنه البرد
ويعلّق أحلام ليلة العيد في منقار سنونوة وحيدة
كانت جذلى بالوهم
تتدحرج قامة اللهفة عارية بين يديه
وتدور بساتين العشق على أثمارها منه إليه
ويدنو الفرح
قبل أن يهمّ بالغياب!



عباءة الأزرق

هذا زمن الحلزونات
زمن القواقع
ومطويات المدن
زمن السرطانات والأوبئة
*
صديد الضحكة النارية
في متاهات درب التبانة
يغتال صمت الجزر الحسناء
بنهاراتها البيضاء ولياليها العارية
يمتد
يستثير فيها رعشة البكاء
*
زوغان الروح المرهقة حتى العويل
أطفأ جذوة الحلم الأخير
صار أعمي
يستند على عكاز البصيرة
*
الليل المطرّز بالتعاويذ القديمة من يد آلهة الشرق
أسبل الثوب حتى لم ير
والثقوب التي استوطنت ثوب الكوكب الأم تتسع
يوما بعد يوم
والعجوز تبسمل وهي تمتص ثبات الشواطئ
وتدعو لأبنائها الضالين
بالهداية
*
الرمال غررت بالرمال
وأغرتها بعناق حميم
والأزرق رب المتعبين في رحم الفجر
مرهف حتى الندى
يدلق هراء العالم في جوفه
يستحمُّ أبدا في خرائط الصمت
يوهم العبيد بالإصغاء
يقهقه بزرقته المطلقة
*
العالم يمنحه جزره الملوثة بالإعياء والقلق كي يغسلها
فيزوّج قناديل الحزن بقناديله الراقصة
علها تنجب ضحكة بكرا
يشتهي الجميع فضها
يعلق الأمنيات في سرة الموج
ويداعب خد الأرض بحنان جميل
يهب لها آخر مصابيح الوجد
ويهمس " أنا أحبك ‍‍‍"
فتهدأ قليلا
وتنام


ترنيمتان لرجل واحد

(1)
صوتك
موت خثّر الدم في رئتي
شهقة أشرقت الروح حتى البكاء
لذة مسكرة أرخت أوتار الجسد
قدر دس أثواب العيد في دمي
قبّل أطراف أناملي المرتعشة
صوتك
دفء كنار البداة الأوائل الحالمة
يستحم فيها الغسق والكلاب الخائفة
التي تشحذ عزيمتها بالنباح
صوتك مطر بارد
غسلني حتى الرعشة
أرجف الجسد
سرت قوافل حمّاه الغازية
بعنف ونظام في عظامي
بموسيقاها العسكرية وخطواتها الجادة
وكائناتها الخرافية
تنملت المفاصل و العروق
وأرغى العشق كجمل مهتاج
وتفصّد العرق
من حرقته الموجعة
صوتك حارق
كصحراء ساعة قيظ
ناعم كفجر ساعة الغبش، مسح الطل على وجهه بقبلات ندية
فاحتقن خجلا
صوتك
عذب كموسيقى غيبية
تأتي محملة بروائح الصندل والزعفران
حاد كنصل شرقي لامع ينغرس في كبدي
بخفة ورشاقة
فيزهر الحنين
ويزبد الوله
(2)
ضحكتك
طائر رخ عتيق
حملني تحت جناحيه
ارتفع بي للأعلى
إلى اللاشيء
إلى سدرة المنتهى
تمايلت بين يديه مغسولة بالفرح
ضحكتك يد حانية
نسجتني بين خطوطها وتجاعيدها
زرعتني على زغبها الناعم
أعادت تشكيلي
لوحة سرمدية
ضحكتك موال حزين
دحرج خطواته المدهونة بالياس
على أوتاري
انزلق بلذة وعذوبة إلى الداخل
ضحكتك شراع متكسّر
على وقع انحناءات الموج
في لحظة غنج
وانثناءاتها الجسدية المورقة
على نغمات الريح الثملة بها
ناي متقطع الأنفاس
يقاطع في حرقته أنفاس عاشق
يرجع الصوت الحارق
ويغيب في لذة الامتداد
ضحكتك قطعة سكّر ممزوجة بريق شهي
ترجيعة حادٍ يقود قافلة من التيه للتيه
صوت نهّام يناغي بنيات اليم
ويغازل حوريات الوجد
حتى تحمّر وجنتي الأفق
ضحكتك عود من الرند
يذوي وجدا بين يدي ربابة حسناء
ضحكتك الرقية الأخيرة للمطر
وآخر تمائم الصحراء


جهيزة الغياب


نبت السديم على أديم الروح
عرّشت الأحلام زائغة
انتفض الجزع كعنقاء
مد لها يدا بخرقة الصوم
كانت تمارس وهج التعري أمام الذات
بعيدا عن حكمة القطيع
حيث كان للشمعة اليتيمة صفرة
لاتليق بقداسة الأزرق التي تحب
مالأها الأفق المخضوضر
وساقها خارج الحظيرة
**
في البدء
كانت تحلم أن تمد يدا
للقطعان الغافلة
لتواسيهم
أو تهب لهم شمعة للشتاء
لكنها
أتقنت لعبة الانكفاء
غاصت عميقا للداخل
غيّرت القناع غير مرة
احترفت لعبة الضحك
وبعد نيف من الألم
تمنت
الاستحمام في بركة القطيع
والتمرغ بين رفاته الباهت
واشتاقت الصلاة في محراب
اللهو والعبث والنظرة العجلى
**
مجردة من زخم الذات
حاصرتها المرايا
شدّت على يديها
أهدتها رسولة الأشواق
ذات ليل مغزل
السوار الذي حزّ معصميها
هدية جدتها الحكاية
ضاااااااااق
في حين كان كل شيء يتسع
**
البؤرة التي حفرتها في الداخل
أصبحت أضيق من سم الخياط
فمارست لعبة المواربة
هادنت المرافئ المحمومة
والبحار الممزوجة الدماء
المهجّنة السلالة
المعتّقة الرغبات
اختلت بالماء
أسمعته صدى أنفاسها العاشقة
فغادرها غير مطمئن إلى وضوء
**
من وراء السحابة التي تحجب الدعاء عن الله
كانت ترى القطيع يراقص الفَراش
والقشة تهادن الريح والبحر
فتبكي
تعلّقت في كبد الظلمات
واستباحت مشجب الليل
فسرت في يديهما المتعانقتين
رغبة السلام والبوح
ومن ذلك الوقت
وهي في الصباح تكون امرأة من ضوء
وفي المساء تتخلق ريحا
تحرس روح حبيبها الوحيد



رماد


هكذا.. هكذا
يشرئب الغراب بعنقه
والعنقاء بحدسها
بكل الرماد الذي يغطي جناحيها
ويشكّل عنقه
هي لم تنفضه
لعقته كي يلتصق بريشها أكثر
لزجا كشهوة اللون
وهو تمرغ فيه بلذة
**
هكذا .. هكذا
أحبا الرمادية المفرطة
وكان ثمة من يحتسي اللون الأخضر ببهاء
قريبا منهما
وكانت الزرقة قليلة في هذا المعترك الرمادي
فالرماد سيد الموقف



كما يحدث غالبا


أنتصب بكل فوضاي
بكل فراغ اللحظة الحالمة
إلا من حزن
بكل جلبة اللغة
المشرئبة داخلي
أستأنف رحلة البحث
أهش من قشة
وأرفع من صارية
***
ديدان تنخر روحي
بكل قسوة ولين
تتبختر بزهو عروس بين جوانحي
أحلّق عبر طقوس الأمكنة
وعواء اللحظة الجارحة
والجسد مصلوب على شهوة الوهن
*
جحافل من النمل تمارس طقوسها
الوظيفية في عظامي
سم امرئ القيس يسري في أوردتي
فأعبر
كناقة باغتها الجرب
أو صحراء تحلم بالمطر
أو عنقاء تستلذ الرماد
فلا تحلم بانتفاضة



رحيق مياه آسنة


طُفّف الكيل سيد الماء
اللغة حُمّلت مالا تطيق
والكبد مثقوبة حتى آخر مضغة
وعبث السؤال ينتعل الحنين
ويسدي للروح طعناته ويلوّح
فويل
وويل
وويل
**
ثغاء يسكن الرأس حتى الدوار
والخرج مثقل
وهسيس اليأس يتدحرج بين أقدام سيدة ملساء
واللغة خارجة على الجمع
وأنت لم تهدني قفّازة بيضاء لأحلّق كالحمام
فدع للسراج لهفة الظلمة
وعمّد الليل بجناحي خفاش عتيق
أو بومة خرقاء
فشريعة الغاب هي المنطق الأكثر حكمة
ودليل القافلة الأعمى أرهقه الركب
و(أشباه عوادينا)!
**
كيف لا نعبُّ من حكمة الأجداد
وقد نهبوا خطانا للوراء
نسجوا لنا الصدارات بحجم ضلوعهم
والأفكار بحجم رؤوسهم
سقونا خمر الماضي أكثر مما نحتمل
حتى غدونا سكارى الأمس!!
**
مد يدك لي الآن
أزيز الصمت ينخرني كضرس عجوز
والأغنيات خرساء
وأصوات الرصاص
وأصوات الشعر
وصوت الآذان
في كفة واحدة
شهوة الغناء استباحت الأقدام
والرؤوس
والليل أخفى حلته عن العيون
والنخل وقع في شرك الساقية
والغيمة الحالمة _ لا فضّ فوها –
فضت بكارة الجفاف
فماتت في غيها!
**
أعيذك بالمساء أن تسامر العتمة
أو ترسم الجفنة في يد العبيد
خالية حتى الرمق
أعيذك بالصمت
أن تشتهي أغنية في حنجرة عصفور يتيم
أو صورة على جدران لغة عقيمة
أعيذك بالحلم أن تستفيق
لتبصر صفعة الدرب
على وجه خريطة ضالة
**
للذي كان
وللذي لم يكن
وللذي آن
وللذي لم يئن
صدى يشبه كرة في يد عراف
أو بهلوان
أو مقامر خاسر
أو جزيرة ملفّعة بأشجار جوز الهند ولون الشمس عند الغروب
سكرى برائحة البحر
تسكنها القرود
**
ضباب الحلم اغتال الشوكة
التي استوطنت الكبد
اغتال الصمت الذي نصب خيمته
على شفاه فارقها السؤال
وانحنى خجلا أمام رعشة النصر حجرا
في كف طفل صغير!



انشطار

أيها الكوكب الدّري
ها أنا أنشطر بين يديك
فقدت مدارات وجودي
توزعت كقطرات المطر في جسد غيمة حبلى
تشرمذت خطاي كخطى ناقة عجوز في صحراء قائظة
كانت لا تعرف سوى أنها تريد الماء
**
اسكب ولهي في فنجان قهوتك السمراء
اسرق لي رعشة الأشرعة
لتهديها لصيفي الطويل
مزّق أفانين الغربة المستطيلة بيننا
كغابة السدر
احملني كنورس شريد
إلى بلاد الواق واق
**
أيها السادر في غيّه
جنتك الموعودة أشهى من جنة الرب
وبين يديك قِبلة العاشقين الأخيرة
كعبة الوجد المعمِّد للشعر وجها
قوافيه المسافرة كخنجر عتيق
لك رائحة النخيل
وبقايا الزرقة على قميص الخليج الأسمر
ولصوتك رنة صوت الربابنة ساعة الغوص
وبريق لؤلؤة يتيمة
لك رائحة الغاف
الغافي على يد الجدات
وهن يفركنه بشهية طيبة
ورائحة الموج المعانق للشطآن
ولون الرمل الفضي المغازل لأشعة الشمس
في ظهيرة بلدتي الطيبة
ولك قلبي ذاكرة للوله
وشهقة للغياب!


شفاعات

يا سدنة الغي والغيب
يا قرقعة الجلبة لحظة الفضيحة
لا وجه للحلم كي لاتناموا
أو تبصروا دمعة تستحم في عين طفل
استلفتها العاصفة
فأضحت قضية
*
الوجوم رتق شروخ المخيلة
والحزن نصب خيمته على مصبات الوجد
والصمت أشهى من قُبلة
*
(على قلق كأن الريح تحتي )
وفوقي
وعن يميني
وعن شمالي
أيها المتنبئ
في زمن الإيدز والمجاعات
زمن الحروب والذل
لقد أصبحنا نشتهي القلق؟
*
( غير مجدٍ في ملتي واعتقادي)
أن يحيا من حيي عن بينة
وأن يموت من مات عن بينة
أيها المُعري لكل هذا الزيف
السحابة حجبت ثديها عن فم الأفق
والساقية تمنّعت على الماء
تتغنج نشوى برائحة القصب
المزروع عند ضفافها
تحلم أن تنبت الياسمين حتى تغري
الجدول بالمكوث عند أهدابها البيضاء


من مذكرات مؤنس•


(1)
رعد مبتل
الكون يصلي
منقار الجنة يطرق موضع قدميّ
ألعق نزفي مشدوهة
بين يديّ تنساب مسافات الدرب العليا
تختصر السماء ذاتها على صدري
طلقات كمخاض قيامة
تغتال طقوس الغناء في حنجرة مدينتي الواجمة
ينداح ضباب كلغة القصيدة
يتأجج الصمت في لحظة الجزع
ضوء ممتد
كحلم صابئ
(كجنون العطر في المطر)
تستنفر الظلال لعنة الشوق
تحفر بؤرة في جبين الليل
تعقد اللواء للنجوم
وتعد الشمس بالإمارة
تلتف حول الروح كأفعوان جائع
ومزامير كأنفاس اللعنة
تبارك القيامة
الليل جائع
والخبزة المعتقة أشهى من كأس نبيذ
تندحر تموجات الروح العائمة
في برزخية اللهفة
والنداءات العليا
الشمس هادئة الرغبة إلا من حلم
والكون يصلي
(2)
ويل
لكل أولئك الصابئين
للحريق الذي أهدرت دمه سيجارة أو مدفئة
للعبث الذي لوى عنان الطفولة
لشِق السؤال
والإجابة المحنطة على شفة الموت
للصدى الذي استثقله الروح
من عهد نوح
لجموع الخارجين على قانون الجلبة
والوجوه الغائبة في لذة الغياب
للأيادي الملوّحة كالنوارس
والعيون التي استمرأت السهاد
وصيرته زادا للحروب
لعبيد يقايضون الموت بالحرية
ويقامرون وجوههم بالأقنعة
مسفلتون
كي يستلذ العابرون لحظة الحداد
كي يقرؤون أحزانهم مرتبة
وينحتون أصنامهم من لحظة الجريمة
للرعد الغارق في الظلمة
لمؤنس إذ يشهق المطر
(3)
خط مؤنس البارحة
في أوتجراف الشك
في جلدي الميت
في خطوط الدمع
كلمة أخيرة
وقبلها كان يراود الحلم
ويرتدي بزة الانتظار
ويرتسم اخضرارا في الموت
وكان حين الجزع
يدفن رأسه بين أحضان القصيدة
كان صوت أنينه حنجرة الريح
جرس الغيب المسلط
كان حضوره شفة تأنس بالصمت
وسيفا يأنس بالرفض
أو لغة مبهمة للتسبيح
وكانت ابتساماته
نهرا تغتسل فيه الأمنيات
وأبجديه ترسم الموال كالجنون
كان حلمه
بسملة النار حين تكون بردا وسلام
جسر الروح في لحظة التماهي
سراجها في ظلمة اللهاث والعبور
كتب.....
- " تبدأ اللعنة طفلا
تنتهي أغنية
والدرب له ضفتان
والجحر الذي خبأ الأمنيات
سدته الريح
كبرياء الموت يستثقل إرهاصاته
يتصاعد كبخار ضامئ
.........................
..........................
تنفجر أصابع مؤنس
فيكفكف نزفه



ليل


ليل الخريف الذي يتوق
إلى عواصف الذاكرة
الملبدة بالحزن وبالعشق
*
ليل الأصابع المعروقة
التي تنسج الوله
بمنوال الغياب الأزلي
والغربة الأخيرة
*
ليل الحمى المسكونة بالرعشة
المتلذذة بالعبث في المفاصل
كدودة شقراء
*
ليل الحارات
الراكضة في أروقة القلب
كطفل أرعن أو غادة متمردة
*
ليل امرئ القيس المفتول بيذبل
والمتشبث بعلائق الداخل المهترئة
*
ليل حنين بزل مالك
للأرض الأم
والصدر القِبلة
*
ليل الأغنيات الحزينة
كمواويل حبلى بزرقة بحر
أو ذرات الصحراء
*
ليل يغربل الروح
كوجل في سماوات العدل والرغبات
*
ليل وجه ملبد بالحزن
مغسول بالبكاء
كجدة حسناء
فقدت آخر أحفادها
*
ليل حلم يشهق في تجاويف ذاكرة
مروّضة على احتمالات النسيان الأكيدة
*
ليل قلب يرتعد
في أوصاله الشتاء
يستحلف الليل دثار الحلم
فيمكث صامتا
يرقيه بآية الكرسي
*
ليل صيف كـ صخرة بلال الحبشي
تدغدغ روح تجثو مرهقة
من ألف ذاكرة وموت
*
ليل طعنة
مخبأة في ابتسامة ميتة تخثرت ملامحها
*
ليل قلب أبيض لايتقن إلا العشق
وكل مالديه مجاديف متآكلة
ومشكاة دامسة الظلمة كسنبلة صفراء
خانها الضوء ذات مساء
فعشقت لونه وتصيّرت للظل
*
ليل غياب نفض يديه
على أروقة الدم الحار
في زقاق الروح المتعرّجة الأوجه
والمثلّمة الأحلام
وغادر
*
ليل الأمسيات المكتحلة بالرمد
في مساءات الرعشة والشوق
الأكثر بهتانا من لون القمر الفضي
الذي يمسد وجنتي عاشقة تاهت
في حنو لياليه المضيئة
*
ليل الصدى العالق
بمخالبه في نطفة الروح
والصوت الساكن
في مجاهلها كأغنية منفاة
تستمد منها البقاء
*
ليل الحضور المتدفق
كدم الضحية لحظة معانقة السكين
*
ليل العشق المدجج بالوله
حد الريبة والاكتظاظ
*
ليل لغات الشعراء المنسدلة على القلوب
كشعر حبيبة خرافية في مرابع الخيال
**
ليل أحجيات الكون
المتعرية على ضفافه وهو الأعمى
الذي حرم لذة الرؤيا


طقوس الفجيعة

أتلصص على روحي في عتمة آمالها
أسترق السمع بينها وبين فوضى الأشواق داخلها
تلكزني ديدانها الجهنمية الرعناء
أتعثر بأول رابض في مجاهلها السحيقة
أشتم روائح الموت المتعفنة كجورب قديم
مقبرة بها مئات الجثث
أثرية كمقبرة (توت عنخ أمون )
لا أحد يزورها لأنهم غير محنطين
ساق يلعن المشي على الأرصفة التي تغتال صمت المدينة الحسناء
عين فقئت لأنها رأت قبلة عاشقين في مساء ماطر
أذن عشقت الهمس فصمت
جذع يهتز كالريح
رأس مجوف كالسنبلة
هل من حبة "أدول"
تسكن أنين موتاي؟؟
*
جحافل من الحمقى تزور المقبرة بين الجنازة والأخرى
تقامر غرائزها بالشعر
تشتهي السفر في الدرب الفاصل بين المقبرة والدم
فلا تستمرأ الرحلة الأهدأ من موت
وتعود مضرّجة بشيء يشبه الحنينّ
*
صوت وتري اللحن واللغة والقصيد
بندول ساعة معلق في زاوية مظلمة
تك تك تك تك
تنصب عليها لعنات الأولياء المسموعة
*
أرجوحة طفل أعذب من أغنية
وأصفى من نهر
تتطوح في الهواء
تستنفر كل القرابين
وتستحلف كل السماوات وكل الأسماء
أن يهدأ هذا الليل
لينام هذا الطفل المشؤوم
*
فضول الأنثى يمخر بي في علائق الشوق
تصر الروح صريرها الأخير
أتعلّق بالفصل الأخير من الرواية
أبكي على هوميروس
فليس للتاريخ وجه
وأدافع عن فتاة الشاطئ بكل حرارة الصمت
وألعن البحّار الأخرق
أعلّق طرفي بنرجسة النهر البيضاء
فلها وجه ملائكي حنون
وصديقتي الأخيرة كانت ذات وجه رتيب
ككل المتحذلقين!
*
الرمة شراع النسيان
*
روحي امرأة الشرق الخدرية الأغوار
بكت عند أطرافي متشبثة في ثوب الجزار
كي لا أفضحها
نهرتها:
ما أجمل لذة الكشف !!
عن مجازر الفضيحة في زمانات العار
والأوبئة
ما أجمل التمرغ بين أحضان البوح
واللغة السافرة المعنى
كقصيدة نزارية الجرح مطرية النزف
*
دموع الليل تغتسل بفوضى الجرح
الأجمل من زهرة برية
فيشتد عليها
وينفجر مجهشا بالبكاء
كعجوز شمطاء زينتها الحكمة
وخانها الحظ فغازل أخرى
ذات عود أكثر استقامة
*
يد الصبح تنصب مشنقتها الفولاذية لليل
تعقر ناقته المحرمة
توضئه من درن الأحلام
وتؤمه لصلاة أكثر وضوحا
وتنثر رماد الواقع الأكثر قسوة في العيون


سواد

أشباح تغازل أرملة الليل
نزف غيبيّ
يتأرجح بين الرفض
وبين اللعنة
سقم البداوات وغناء الرحّل
يغدو هراوة ممزوجة
بالملح وبالحكمة
(القافلة تمضي والكلاب تنبح)
*
العمر الخاوي
لعاب الحلم ممتزجا بحنظله البارد
*
تقاسيم الموت الحافلة بأوزار الوحدة
تقبّل أمواج البحر
وتخذله كمسافر أحمق
لايدرك الفرق بين العشق وبين الموت
*
الأحلام تجتر الحقيقة
كناقة هزيلة
فاتتها كل المراعي
حتى الزقوم
*
عندما نعود صامتين
كليلة الحداد
تأوي إلينا أحلامنا الباردة
فنضمها بلهفة
ونشتعل
نكفر بما دونها
ونهلع حين نرسم شكل
خطوة جديدة
*
أيها الوجع الخرافي
لا ترخي جدائلك
على حواف الليل
ولا ترم شبكتك هنا
فلا بحيرة ولا حورية
فقط رعب يمسّد سحنة الروح
وموت رائق
يكوّر الحلم كي لا نشتهيه
ولن يأخذ الموت شكل الأحلام !!
*
أيتها السفن المسافرة
آن لك أن تقذفي حمولتك البارودية في اليم
آن لك السفرفي مأمن من القراصنة
فقدْ فقد الربان إحدى ساقيه
وإحدى عينيه
فحرك السفينة في الاتجاه المغاير
والنورس العجوز خذلته جناحاه عن متابعة الرحلة
نحو الشمال من قلب الريح
والصارية مرهقة
وما من موت يرغب في حلم
فقأ عينيه ليرى الدنيا






قراءة نرجسية في أبجدية العظام والوجع

الشمس تسرق الوجوه
إلى المرافئ الدافئة
وأنا يسرقني الزمهرير
فأذوب كوخز السكون في لحظة الصخب
*
السماوات عنيدة
والرحم اللافظ
لا يقبل كل هذا الوجع
*
دروب الغربة
انطفأ سراجها الآن
ونسيت أنت وجهي
"ذلك ما كنا نبغي "
*
فراغات العالم
تأتلف حول الشمس
وأنا صقيع مزهو بالحتف !!
*
أغنّي قصيدة الخلود
بقيثارة مشروخة الوتر
وأعلم أن الشتاء يتوعدني صاعقة
فألعق المطر
وأنتظر
*
بي رغبة الارتقاء نحو الغيم
لكن قامتي ليست طويلة
ورائحة الشتاء لا تروقني
*
كهولة الروح تعبق بها رئتيّ
والجوع يرخي جدائله
على كتفي
فيورق الوجع
ويمتد من الروح إلى الأظافر
*
وجه جدتي أخضر كالقلق
حاضر كملح الذكريات
*
غجرية في ليالي القمر الصيفية
يرقيها الخلخال
لحن يعزفه الدف
وحصى الوادي
آه لو تقرضني القليل من جنونها
*
المساءات شاهدة العار المنزوع
من رائحة الطل
من طعم السكين
وخاصرة اللعنة
*
السكون يرقص بقامته النحيلة
داخلي
والرحلة القادمة
أهدأ من زلزال
أنذرت به الريح
*
البحر يهيأ فقاعاته الزبدية
لأسافر في إحداها
وأرجوحة الضياء
التي أرسلها القمر
النجوم قالت أنها كمين زاخر بالموت!!
ألم أقل لك؟!
"إنك لن تستطيع معي صبرا"
*
تزدحم البجعات البيض
عند مدخل قلبي
لكن قامات الأحلام قصيرة
ولكل حلم حذاء
*
نكهة المسافات
ابتلعت حلمي
لأنه لا يملك نعلين
فقد أهداها للشوق
في رأس السنة
وأهداها الشوق بدوره
للهفة في العيد الآخر
والروح في يوم ذي مسغبة
حلفت بالرب
أن تقتل كل الأحلام
فزلفى لكل هذا الوجع!



بين هوتين قضى

قلب سقط صريعا في هوة البرد
روح تجن شهوة شوق للأصفر الباهت
دم يعربد
*
مشنقة تزحف نحوي فاغرة فمها
بعد الآن لن يأتي النورس للشاطئ
يتفيأ ملامح الوجد
يأسر أوردة الوردة
يشعلها
فتتمطى غنجا
وتبادره بالعشق المجنون
لن يترك بصمة خنجره الحارق
في ذاكرة الجسد الهش
لن تغري حمم النيران
الروح بالسفر وراء القضبان
وراء الغفلة والسهد
في خدر مجنون
لن ترقى حمم الوجد بالجسد
في معراج اللهفة كي يشهق
آآآآآآآآآآآآآآآه
ولن يتنفس عطر "الشريش"•
المزروع عند جدائل الفجر الظامئ
للقبلة
*
جف "الفرصاد" الأحمر
مات النمل اليسري بين مخاتل الروح
الليل لن يهدهد الرغبة كي تسكن حُمّاها
فالوحشة تتصدر أبجدية الحرف
والليل يضج برائحة الطل
مات الطائر الأزرق
لا عصى تجيد البعث!
ولا لغة ترثيه!




تناسخ


سيل من البروق يعبرني
عاصفة من الحمام تنبش داخلي
حرائق تتوالد بسرعة مرهقة
أولياء في ثيابهم البيضاء
يضربون صدورهم داخلي
حزن كربلائي
لغات ترفل بكل رثاءات العالم
جدائل المروج تضفرني بين أعناق الوجد
أنشطر
لمن سأهب شطر صبحي الحزين؟!!
لمن سيؤول اللؤلؤ الشفاف في رحلتي اليتيمة؟!!
*
أرقص عارية الدهشة والرعب
أنسج عظامي قصيدة
تتشكل أعصابي لحنا متهدجا
أعطر ردهات الحلم كي يهدأ
يتضوّع يا سمين الرغبات بالدمع
يغني الموت وهو يعبرني إليّ
يرتقيني سلمة سلمة
يرسم بصمته في كل زواياي
يدس سمه الأزرق بين مسامي
يشربني
يُشربني روحه
أتنهد
أشهق
أنشطر
*
مراجل تغلي داخلي
تعد رحلة العشاء الأخيرة
تجلدني الذكرى فوق مصلبة الصوت المترنح
كوتر متراخٍ
يتشكل الوجع موجات "كهرومغناطيسية"
تتلمس الخدر المسلوب في ردهات الجسد
تنفضه
أقضم كل الحزن المار بقارات الجسد
أتوزع فيه
تعتور القلب المجنون لذة
شبق مخبول يمد يديه إليّ
يهيأ معطفه كي أعبر
كي أتحد بالجسد الآخر
كي أحلُّ الجبة
كي أترنح بسكر اللحظة
الموت يرسم خطته
كي يدشن حربا أخرى
ويعبر قارات جسد آخر


أصيل
أصيل يخضّل وجه الحقيقة
والأوطان
والأجساد
والشهوات الميتة
بالدمع
يسرق جرار الدمع من عذابات النساء
المكتفيات بأدوار الرخام
حين رحل كان
على فم الصباح ابتسامة سكرى
تجتث الحزن والعافية
وترمي لنا بصرخات الطفولة


أشباح

يمشون بلا رؤوس
يخرجون من صخور الوحشة
يحملون في أياديهم معاول
يهدّمون الجماجم
يحطّمون الأطواد
يمشون بلا أياد تزرع الحب
فقدوها في حروبهم الخاصة
أوفي آخر المآتم التي يستحدثونها كل يوم
يقبرون
يبقرون بطون الأنعام
أياديهم المعقوفة
تحمل مقصًا
يقصون الأحلام والآمال
يقرؤون الفاتحة
وهم يقتلعون عيون الكون كي لا يبصر الضياء
يبسملون وهم يحرّقون لحظات العبور
ينتسبون بقسوة الحظيرة للحظيرة
يبتسمون
حين يأكلون من رؤوس الطير
وحين يبعثون الهدهد كي يسترق السمع
يلعبون ألف دور للحاوي والبهلوان
وبلا قدمين يمارسون المشي في المكان
وبرعب ليلة العاصفة يتلفّتون
كي لا يعبر البقية!



عقرب

تلدغ
من أبعد جهة عن المسافة
بين الشوق والانتظار
وحاجز اللهفة
فتتت رطوبة العمر الحانق كالثورة
استلذت الاحتدام مع الوله الطفولي العذب
المتمدد كغانية حبلى حتى آخر حدود الوجد
*
تلدغ
يتسرب السم في المآقي
يحفر بؤره القاتلة
على حواف روح مضرج بالحزن
تشققت أحلامه
كيد عجوز وحيد آخر العمر
تستفز الوقت
المصبوغ بحنين مليون سنة ضوئية
وباقة نعناع أخضر
وعذق نخلة متدلي
تحرق الشمس
تستبيح عرى الأمكنة
ومواجع الذكريات
هامة الانتظار تطالب بثأرها
*
تلدغ
يسرى السم المدجج بحرفة القتلة
يسقط ثوب "دراكولا " الجديد
غادر هذا المساء معطفه
أملسا كالهواء
عاريا كالفضيحة
شخصت يد البحر
عند انعطاف الطفولة
رسمت دوائر كالدخان
( بمقدار ما تنداح دائرة ..في لجة يلقى فيه بالحجر )

*
تلدغ
سقطتْ على حافة النهر
كبوصلة تعاني الزهايمر
كان أن صلبته يوما
على حافة القصيدة والروح
الحزن هائج كثور ذبيح
أمام معطف مسجّى على الساقية
*
تلدغ
تؤرخ الساعة لعقربها بحزن المسافات
تشرق المسافة وهي تبتلع السم
من أصابع وجد عتي
تخض اللبن في قربة الروح
تيمم جدائلها شطر البحر
وتعمد خلاخيل الزرقة بالفجر
وتُكمل قصة "المنسأة"



آخر دروب الحرير

"1"
يا آخر دروب الحيرة
التي ارتادتها قافلة الغروب
لم لوحت للهودج المزعوم؟
وأسكنت ظلي لعنة الحلم ؟!
كنت ألتمس صدى أنفاس الهجير إليك
كي نحتسي بيض الغراب
ونشهق بين القوافي الغافلة
لم أهديت الجِمال دفء الطفولة
وهزال الحداة ؟!
كانت الرحلة الممتدة عشقي
فأين الصين الآن؟!
"2"
امض سألتك
ناقتي هزيلة
وصدى الروح أوسع
من حنجرة نسر يموت
أو أرملة تعبُّ الموت
كلغة مسبلة
حين قلت "أحبك" يوما
ماتت بومة عمري نشوانة
وسكنتُ
"3"
كنت أنتظر "البريسم"
كي أخيط الرداء
منمنما كقصائد البحتري
أو كخباء عذراء منزلها خواء
أنا الآن لا أنتظر شيئا


تلَبس خارج أسوار الحكاية


الحكاية لا تشبُّ ولا تشيب
تبشر بهامة
وكأنها حفار القبور
جريرة البحث عن المجهول تستبيحها
وتحمل وزر الهامة والثأر
الشيطان الـ يسكن الرأس يمنعنها التثنى
يربطها في جذع النخلة
*
يفنى أنين الغراب على مشية القطا المائعة
ونُذر الموت فنيت على مباهج صوت الحكاية
فكرة كالحرباء
ترتق لذة الفرح بخيوط الحداد
وتلتئم كالسواد
تحيك الدهشة على منوال الخرافة
وتسرف في الوصف
وتشرق بالرؤى
*
تعبر شخوص كليلة ودمنة
ضفادع تنقنق حول الجوقة
الدببة ماتت في فروها من شدة البرد
الديْكة نامت قبل آذان الفجر
والكلاب غلّقت الأبواب
وشهريار عاف الحكاية
ولم يمهلها حتى الصباح
ومسرور مستبشر
الثعلب تبرأ من حادثة المكر
وفحيح الأفعى يقطر في أذن غانية اللغة
واللغة تحتسي الكأس الأخير
على ضفة نهر مقدس
و النهايات استبيحت
بين يدي شهرزاد


احتمال

إذا لم أكن يوما هنا
فقد أكون هناك
أسبّح باسم الرب عند الصارية
أن يهب السلام للقرنفل في الكون
ولسحابة ساجية
وللسفر البعيد
وللأمنيات
وأغني بالود على الساقية
سلاما سلاما
وعلى الليل الذي وحيدا
بلا جذوة أنطفأت عينيه كزرقاء اليمام
وبقفازتين من فرح جلي
ألوّح لك :
" بكل اللغات عليك السلام "


عبور

له سحنة الغريق فور خروجه من البحر
برائحة الرمل العالق في القواقع
وعلى يديه صارية جده الربان الأعظم
"أحمد بن ماجد"
ومن زمن اللؤلؤ الشفيف عيناه
ولوجهه سمرة الليالي المسافرة كطعنة غدر
هكذا أطلَّ ..!
*
أوهن من خنجر في حنجرته
سد عليه دروب اللغة كان يمشي
وأدفأ من عباءة للشتاء
كانت تحلم به
وأعمق من جرح في ذاكرة الغيب
وأجن من رياح السموم
كان حين قاسمها الكلام
له قلب "الفرصاد"
وأريج "الشريش" عند الفجر
*
كان هناك!
حيث الجمع يعبرون اللغة بحيادية تامة
كما يعبرون أقدامهم عند الشاطئ
وكانت آمالهم معلّقة في مفاصل الليل
متشابكة الأيدي
وعلى مضض يعلكون اللهفة بريب
واختلاجات الجفون
كاختلاجات الحرف الضاج بالقبعة المعلقة
على الهمزة والنقطة
كانوا يتحدثون
وكانت تسمع صوته فقط



أسطورة

ستموت بسم الحبر المطلق
عرفت ذلك منذ البدء
فليس للآلهة إله
سماه "هو" مطلق التحليق
وسمته "هي" جلوة العشق
أرغت قبل الرحيل و أزبدت
كبحر اشتهي أن يعانق ضفافه
ثم التحفت بالندى
كحلم مأخوذ بالفتنة
تعثرت
ورفعت أطراف ثوبها
عبر شهيق المسافات وزئير الأقنعة
نزفت أغنيات وموتا كثيرا
*
ثمة لغة تتساقط
أي سيد الآلهة:
ترفق!
*
لم يهز إليها بجذع النخلة
أو يوسّدها يمناه صلاة
بل عبر البحر نحو صارية أخرى
*
ذرفت دمعتين
وجهّزت حقيبتين
وأرخت جدائل الغربة المغرية على أكتافها
وهيأت سلال الهزائم المترعة
وغادرت
*
بعد زمن قليل عاد جاثيا كصخرة ليس لها إلا الماء
"ألآن وقد عصيت؟!"
قيدت أصابعها بالرؤى
فعار أن تتقدم الآلهة عارية الخطوة
ابتسمت وهي تخلع له رداء الدمع
وتكشف عن ندبة الروح!



جسد

تطفح أنوثتها كالزبد
تنبت الرياحين
على خرائط الجسد البض
والقرنفل يغفو على الأجفان الناعسة
تتثنى كغابة خيزران
وتر مشدود على الخاصرة
تتدلى الأثمار من حديقتها ناضجة
(كأشربة وقفن بلا أوان)
الوعول والغزلان
تتنافر تحت الأثواب المرسومة
وأحصنة الرغبات تصهل
بشبق!
كسرت مزاليجها للعابرين
كالحة البوح كفاكهة صيف غير محرمة
لقّمت القفل مفتاحه
ونامت بلا أقنعة!
رسالة إلى لوركا

لوركا

برق أشعل فتنة الصحراء
النائمة منذ زمن في كهوف الصمت
تتناسل الأضواء
وتغزل الحزن
ارتعدت قامات النخيل المتكئة على خاصرة الريح
ارتعش الموال
لوثة أزكمت الضاد - التي تحب -
أطفال الينابيع و الماء تهجوا أبجدية البارود
ولغة الغابة أكثر بلاغة
في قواميس العصر
من لغتك
*
لوركا:
جلبة تزنّر الأيام و الأحلام
تشعل التاريخ بالوهم
الذاكرة مفقوئة العين
والخفافيش تراود المشهد عن ظلمته
الحناجر أغتالتها الدموع
والأندلس ترتدي ثوبا شفيفا
تعرض مفاتنها للسوقة
والتاريخ يتهيأ الآن
ليدلى بالشهادة
والذئاب تضع أسوار المدن في معاصم النساء
الثور العظيم بلا قرنين يحمل الأرض
والليل (صبح من اللهب )
والغضب فحيح العصافير
والبحر أفرغ أحشائه على حاملة صواريخ
والسماء لم تعد تفرق بين النوارس والطائرات
*
لوركا
شلت أطراف القصيدة
وليس في عصرنا نبي
وفرعون له ألف وجه
(امرؤ القيس وعنترة وتأبط شرا
والمتنبي والمعري وأبو تمام )
خرجوا حاملين أضرحتهم
قيدوا قصائدهم بسلاسل كتب عليها
(لا للحرب!)
*
لوركا
يأكل الطير من رؤوسنا
هل يتسع قبرك لغيمة من الحزن ؟



خلاخيل الزرقة
                             إلى : أبي
                            الخلخال والقيد ذاكرة واحدة

أي أبي:
تسمرت بنا الدروب
خانتنا التفاتات الزرقة
واغتالنا صفير الأشرعة
ومراجيح طفولة الماء
سهّدتها رعشات الزبد
أحلام الغبش وصيادو الشفق
عمدوا أرواحنا بالوجع
*
يا قارئ حدود المطلق
نسيت وذهبت
وأقراط الوله الواسعة الجيد
خانت بنيات اليم
والحلم سوّر أهداب الدمع
حين خانتك سحابات النور
*
ياصاحب الرؤيا:
هراواتك ماعادت
تسند فجعة النوارس في البحر
ولا تنبت المرجان
على حدود سواحل السور•
و ما عاد السور* لنا
*
خلعنا خلاخيل الزرقة عند الشاطئ
كنا نتمشى فقط
سطا القراصنة على اللون
قدموها لنا عارية الروعة
*
سرقوا جدائل الفرحة
من عين العهد
سرقوا خمرة الندى
من ليل فائق في رائحة الجزع
شهوة البحر الطافحة ليلة اكتمال القمر
صلبت مريم العذراء بين نعيم الموج
ضاعت هدياك
ماعادت عائشة بين ثنيات الوجد
ما عادت آمنة الوجهة
*
يا والد كل الهزائم
فطمتَ دون النصر
أو حتى خلود الرهبة لحظة العاصفة
قبل الحمد
*
يا رب الأشرعة والماء:
بدّل سفائنك
أو اقرضني يا يم السفن الثمانية
آخر فنون الغضب
كي أقرأ وجهك وأنا أعبر
فقد أصبحت عمياء !

تعليقات