التخطي إلى المحتوى الرئيسي
"سوف أكتب رغم كل شيء، سوف أكتب على أي حال، إنه كفاحي من أجل المحافظة على الذات" كافكا

النص الموازي

8-1-2011 جريدة القبس 
فاطمة الشيدي

النص الموازي، أو نص على نص، أو كتابة أو على كتابة..الخ، هو نوع من النصوص المستنبتة (كما يمكننا أن نسرق من المصطلحات العلمية النباتية والحيوانية) من شكلين أو عدة أشكال من الكتابات الأدبية، وهو للحق مصطلح لم يستوِ على سوقه ليشكل مفهوما فنيا دقيقا ومتعارفا في الأوساط الثقافية، كما لم يصبح بعد شكلا أدبيا مستقلا، ولم تحدد سلالته الكتابية ليتجه إليه الكاتب قصدا عن علم ومعرفة واطلاع.
لكن يمكننا القول – مجازفة في توضيح لا اصطلاحي- أنه شكل فني من النصوص المتقاسمة الأمومة بين رحمي النقد والإبداع، أو حالة الكتابة عن نص معين يقع ضمن دوائر الإعجاب الفني غالبا لكاتب لا يشترط امتلاكه الأداة النقدية الأكاديمية، أو لا يحمل الرغبة في تشريح نص قريب من نفسه؛ إما لاقتناعه به من حيث امتلاك الخصائص الفنية العالية، أو لأنه يشكّل حالة من العلائقية الروحية معه أو مع كاتبه.
لذا فيميل للكتابة حوله أكثر من الكتابة عنه، وتأتي تلك الكتابة تشبه الكاتب والنص الأصلي معا، وفي حالة تخلّق مستديرة ومستمرة من داخله لخارجه، لإظهار جمالياته، بلغة أقرب للنصية الإبداعية منها للنقد الممنهج الصارم والدقيق، كتابة تتوسل الروح اللغوية التي تسير إلى جنب روح النص الأول؛ لتخلق حالة من الكتابة المتعالقة مع روحه، والموازية لدرجة بلاغته وأفكاره وارتكازاته، وحالة من الابتهاج المعرفي، والخلق الفني الجديد.
وبذلك يكون النص الموازي مرآة للنص المكتوب عنه، وصورة قريبة وموازية له، ويكون النص الأول شرارة الخلق التي آذنت بولادة النص الجديد، ويكون النص الجديد روحا منبثقة من جسد النص السابق، لذا فلا غرو أن تكون روحاهما متسقة، ومتوازية في الفكرة والمضمون واللغة، وفي درجة العمق، لأن النص الثاني يحاول أن يتخذ من النص الأول أرضية له، ويتصاعد معه في درجات الجمال متعالقا وكاتبا ومكتوبا.
من جهة أخرى يقدم النص المفتوح حالة مؤاخاة بين الإبداع والنقد، فهو نص يحمل نية الكتابة النقدية؛ إلا أنه يستخدم أدوات الكتابة الإبداعية غالبا، ويتقارب بشكل حنون وغير جارح مع المقالة والنص المفتوح، ومن هنا فهو يشكّل حالة من الارتباك في الانتساب، أو إشاعة الروح والدم بين الفريقين، وقد يختلف النقاد والمبدعون في انتمائه لأيهما، إلا أنه نص جرئ في اقتحام المجال النقدي الصارم، وتخفيف حدة العجز وضعف المتابعة النقدية للنصوص المتدافعة بشكل كبير ومستمر، و لا يوازيها بطبيعة الحال حالة الإحجام النقدي عن المتابعة، والقراءة والتحليل، كما أنه أربك البرج العاجي للنقد، والذي يكتب منه النقاد، وأحدث فيه نوع من الهزة حين أتاح هذا النص الكتابة النقدية للمبدعين والمتابعين من غير اشتراط امتلاك العصا النقدية الصارمة، وهو نص قريب من المتلقي لسهولة التعامل معه، ولليونته، وخفة أجنحته من ثقل المصطلحات النقدية، والأدوات الصارمة، التي قد تحول دون تحليق المتلقي العادي معه، ولجمعه بين النقد والإبداع.
ولكن! قد يشكّل هذا النص حالة من فتح الباب (لمن هب ودب) للكتابة النقدية ولتقديم نفسه ناقدا وكاتب نص موازٍ، لعل الأمر إذا بكل ارتباكاته يحتاج للزمن والوقت والتشكّل الفني والمحددات الموضوعية؛ لخروج هذا النص عن حالته المرتبكة للدخول في حالة كتابة ناضجة مشروعة ومشرِّعة، وحتى ذلك الحين لا نملك إلا شفاعة الانتظار !!